العلامات الحيوية: المؤشرات الأساسية لصحة الإنسان

تُعد العلامات الحيوية (Vital Signs) من أهم المؤشرات التي يعتمد عليها الأطباء والمختصون في تقييم الحالة الصحية للإنسان، وهي أدوات تشخيصية لا غنى عنها في الطب الحديث. تقيس العلامات الحيوية الوظائف الأساسية في جسم الإنسان، وتعكس حالة الأعضاء الحيوية كالقلب، الرئتين، الدماغ، والدورة الدموية. تساعد هذه المؤشرات في الكشف المبكر عن الأمراض وتدهور الحالة الصحية، كما تُستخدم في المتابعة اليومية لحالة المرضى في المستشفيات والمراكز الصحية.

تنقسم العلامات الحيوية تقليديًا إلى أربع فئات رئيسية: درجة حرارة الجسم، معدل النبض (أو معدل ضربات القلب)، معدل التنفس، وضغط الدم. ويضاف إليها في السنوات الأخيرة مؤشرات أخرى مثل تشبع الأكسجين (SpO2)، ومستوى الألم، ونسبة سكر الدم في بعض السياقات السريرية. يتناول هذا المقال الموسع كل علامة حيوية بالتفصيل، من حيث التعريف، الآليات الفسيولوجية، القيم الطبيعية، الانحرافات المرضية، والأساليب الحديثة في القياس، مع التركيز على دور هذه العلامات في الرعاية الطبية والعلاجية.

أولاً: درجة حرارة الجسم (Body Temperature)

التعريف والوظيفة الفسيولوجية

درجة حرارة الجسم هي مقياس للحرارة الداخلية لجسم الإنسان، والتي تعكس التوازن بين إنتاج الحرارة (من خلال العمليات الأيضية) وفقدانها (عبر الجلد والتنفس والبول والعرق). يحتفظ الجسم بدرجة حرارة ضمن نطاق ضيق بواسطة مركز التنظيم الحراري في الوطاء (الهيبوثالامس).

القيم الطبيعية

تُعتبر درجة حرارة الجسم الطبيعية لدى البالغين حوالي 36.5 – 37.5 درجة مئوية، مع اختلاف بسيط حسب وقت القياس (الصباح أقل من المساء)، وطريقة القياس (عن طريق الفم، الأذن، الشرج، أو الجبهة). ترتفع هذه القيم قليلاً لدى الأطفال، وتنخفض مع تقدم العمر.

الانحرافات

• الحمى (Fever): ارتفاع في درجة الحرارة فوق 38 درجة مئوية، وقد يشير إلى وجود عدوى، التهاب، أو اضطرابات مناعية.

• فرط الحرارة (Hyperthermia): ارتفاع غير طبيعي بسبب فشل في آليات تنظيم الحرارة، كما في ضربة الشمس.

• انخفاض الحرارة (Hypothermia): عندما تنخفض درجة حرارة الجسم لأقل من 35 درجة مئوية، مما قد يؤدي إلى بطء العمليات الحيوية وفقدان الوعي.

أدوات القياس

يُستخدم الترمومتر الرقمي أو الزئبقي أو بالأشعة تحت الحمراء، ولكل طريقة دقة متفاوتة. أصبح قياس درجة الحرارة عن بُعد شائعًا منذ جائحة كوفيد-19.

ثانياً: معدل النبض أو ضربات القلب (Heart Rate)

المفهوم البيولوجي

النبض هو عدد ضربات القلب في الدقيقة، ويعكس كفاءة عضلة القلب في ضخ الدم عبر الأوعية الدموية. يتأثر النبض بعدة عوامل منها النشاط البدني، الحالة العاطفية، حرارة الجسم، والأدوية.

القيم الطبيعية

يتراوح معدل النبض الطبيعي لدى البالغين بين 60 و100 ضربة في الدقيقة، بينما يكون أعلى عند الأطفال وحديثي الولادة.

الانحرافات

• بطء القلب (Bradycardia): معدل أقل من 60 ضربة/دقيقة، وقد يكون طبيعيًا في الرياضيين أو نتيجة لأمراض مثل قصور الغدة الدرقية.

• تسارع القلب (Tachycardia): معدل يزيد عن 100 ضربة/دقيقة، يحدث في حالات الحمى، فقدان الدم، أو اضطرابات كهربائية في القلب.

• عدم انتظام النبض (Arrhythmia): قد يدل على اضطراب في العقدة الجيبية أو نظام التوصيل الكهربائي.

طرق القياس

يمكن قياس النبض يدويًا بوضع الإصبع على الشريان الكعبري، أو باستخدام الأجهزة الرقمية وأجهزة تخطيط القلب (ECG).

ثالثاً: معدل التنفس (Respiratory Rate)

الأهمية الفسيولوجية

هو عدد الأنفاس التي يأخذها الإنسان خلال الدقيقة الواحدة. يعد من المؤشرات الحساسة جدًا التي تتأثر سريعًا بأي خلل في الجهاز التنفسي أو التوازن الحمضي القاعدي.

القيم الطبيعية

المعدل الطبيعي للتنفس عند البالغين يترواح بين 12 إلى 20 نفسًا في الدقيقة، ويزيد عند الأطفال وحديثي الولادة.

الانحرافات

• تسرع التنفس (Tachypnea): معدل أكثر من 20 نفسًا في الدقيقة، ويحدث في حالات الحمى، الالتهاب الرئوي، فرط الحموضة، أو نقص الأكسجين.

• بطء التنفس (Bradypnea): أقل من 12 نفسًا، يحدث في التسمم بالمخدرات، إصابات الدماغ، أو السكتة الدماغية.

• توقف التنفس (Apnea): قد يكون خطرًا جدًا، كما في انقطاع النفس أثناء النوم أو في حالات الإنعاش القلبي.

طرق القياس

يتم مراقبة حركة الصدر أو استخدام أجهزة استشعار التنفس أو أجهزة التنفس الصناعي في المستشفيات.

رابعاً: ضغط الدم (Blood Pressure)

المفهوم الفيزيولوجي

ضغط الدم هو القوة التي يمارسها الدم على جدران الأوعية الدموية، وهو عنصر رئيسي لتوصيل الأكسجين والمغذيات إلى الأنسجة.

القيم الطبيعية

القيمة المثالية لضغط الدم عند البالغين تكون حوالي 120/80 ملم زئبقي. الأول (الانقباضي) يعكس قوة الضخ أثناء انقباض القلب، والثاني (الانبساطي) يمثل الضغط أثناء راحة القلب بين الضربات.

الانحرافات

• ارتفاع ضغط الدم (Hypertension): يتجاوز 140/90 ملم زئبقي، ويزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

• انخفاض ضغط الدم (Hypotension): أقل من 90/60، يمكن أن يؤدي إلى دوخة، إغماء، وانخفاض التروية الدموية.

طرق القياس

تُستخدم أجهزة قياس ضغط الدم الزئبقية، الإلكترونية، أو الرقمية، سواء يدوياً أو باستخدام الذراع الآلي في المشافي.

خامساً: تشبع الأكسجين (Oxygen Saturation – SpO2)

التعريف والدور الطبي

يمثل نسبة تشبع الهيموغلوبين بالأكسجين في الدم الشرياني، ويعد مؤشرًا حيويًا على كفاءة الجهاز التنفسي.

القيم الطبيعية

تتراوح بين 95% و100% في الأشخاص الأصحاء. القيم التي تقل عن 90% تدل على حالة نقص أكسجة تستدعي التدخل الطبي.

الانخفاضات المرضية

تظهر في أمراض الرئة، فشل القلب، الانسدادات التنفسية، أو أثناء التخدير. ويُعد قياس SpO2 ضروريًا في وحدات العناية المركزة.

أدوات القياس

جهاز قياس التأكسج النبضي (Pulse Oximeter) الذي يوضع على الإصبع أو الأذن.

سادساً: تقييم الألم كعلامة حيوية خامسة

يُعتبر الألم الآن “العلامة الحيوية الخامسة”، نظرًا لأثره المباشر على الحالة النفسية والوظيفية للمريض. يتم تقييمه ذاتيًا باستخدام مقاييس عددية من 0 إلى 10، أو باستخدام رموز وجهية للأطفال أو المرضى غير القادرين على التواصل.

سابعاً: مؤشرات إضافية في المراقبة السريرية

إضافة إلى العلامات الحيوية الكلاسيكية، تستخدم بعض المستشفيات مؤشرات إضافية في حالات معينة، مثل:

• مستوى الوعي (Glasgow Coma Scale).

• سكر الدم العشوائي أو الصيامي في الحالات الطارئة.

• معدل الإدرار البولي كمؤشر على صحة الكلى والدورة الدموية.

مقارنة بين العلامات الحيوية الأساسية

أهمية المراقبة المستمرة للعلامات الحيوية

إن مراقبة العلامات الحيوية بشكل دوري أمر بالغ الأهمية، سواء في الحالات العاجلة أو في المتابعة الروتينية. فهي تتيح:

• الكشف المبكر عن تدهور الحالة الصحية.

• اتخاذ قرارات طبية سريعة.

• تقييم فعالية الأدوية والعلاجات.

• مراقبة تطور المرض.

يستخدم الطاقم الطبي هذه العلامات في وحدات الطوارئ، العناية المركزة، غرف العمليات، ومراكز الرعاية الأولية، وتُسجَّل ضمن الملفات الطبية بدقة لمتابعة تطورات الحالة.

الابتكارات الحديثة في مراقبة العلامات الحيوية

أدت التطورات التكنولوجية إلى ظهور أجهزة مراقبة ذكية مثل:

• الأساور والساعات الذكية التي تراقب النبض، الأكسجين، وعدد الخطوات.

• الملابس الذكية التي تحتوي على مستشعرات لدرجة الحرارة والضغط.

• أنظمة مراقبة عن بُعد للمرضى المزمنين عبر الإنترنت.

• الخوارزميات الذكية التي تتنبأ بتدهور الحالة الصحية بناءً على تغيرات طفيفة.

تُساهم هذه الابتكارات في تحسين جودة الرعاية الصحية، وتقليل الضغط على الكوادر الطبية، خصوصًا في ظل تزايد أعداد المرضى وكبار السن.

الخلاصة

العلامات الحيوية ليست مجرد أرقام تُسجل على ملف المريض، بل هي إشارات حيوية تعكس توازن الجسم واستقراره الوظيفي. مراقبتها وفهم دلالاتها هو أساس الطب السريري الحديث، وأداة لا غنى عنها في التشخيص، المتابعة، والتدخل العلاجي. كل تغير طفيف في هذه المؤشرات قد يكون إشارة مبكرة على اضطراب داخلي يتطلب العناية الطبية الفورية. ومع تطور التكنولوجيا الصحية، بات من الممكن مراقبة هذه العلامات بدقة متناهية وفاعلية عالية، مما يُسهم في تحسين جودة الحياة والنجاة في الحالات الحرجة.

المراجع:

1. Guyton and Hall Textbook of Medical Physiology, 14th Edition

2. World Health Organization (WHO) – Clinical Practice Guidelines on Vital Signs Monitoring